فصل: فصل في الْمُعَاشَرَةِ وَالْحِلْمِ وَآثَارِهِ وَالأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في الْمُعَاشَرَةِ وَالْحِلْمِ وَآثَارِهِ وَالأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ:

الْحِلْمُ لُغَةً الأَنَاةُ وَالْعَقْلُ لِكَوْنِهِ سَبَبُ الْحِلْمِ وَاصْطِلاحًا ضَبْطُ النَّفْسِ وَالطَّبْعِ عِنْدَ هَيَجَانِ الْغَضَب أَوْ احْتِمَالِ الأَذَى مِنْ الأَدْنَى وَهُوَ يَرْجِعُ إلى الأَوَّلِ لأَنَّ مَنْ احْتَمَلَ الأَذَى مِمَّنْ دُونَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فقَدْ ضَبَطَ نَفْسهُ عِنْدَ الْغَضَب.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَّاضٌ: الْحِلْمُ حَالَةُ تُوَقُّر وَثَبَاتٍ. أَيْ صِفَةٌ تُورِثُ طَلَبَ وَقَارٍ وَثُبُوتٍ فِي الأَمْرِ وَاسْتِقْرَارٍ عِنْدَ الأَسْبَابِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْغَضَبِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْعَجَلَةِ فِي الْعُقُوبَةِ. وَلا يُسَمَّى الْمَرْءُ حَلِيمًا إِِلا إِذَا كَانَ ذَلِكَ طَبْعًا لا تَكَلُّفًا وَقَدْ وَصَفَ اللهُ بِهِ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}. وَكَمَا قَالَ فِي وَلَدِهِ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}.
قال الشاعر:
أَلا إِنَّ حِلْمَ الْمَرْءِ أَكْرَمُ نِسْبَةٍ ** تَسَامَى بِهَا عِنْدَ الْفِخَارِ حَلِيمُ

فَيَا رَبَّ هَبْ لِي مِنْكِ حِلْمًا فَإِنَّنِي ** أَرَى الْحِلْمَ لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهِ كَرِيمُ

وَقَالَ الآخر:
أُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ جُهْدِي ** وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا

آخر:
فَإِنْ كُنْتَ تَرْجُو في الْعُقُوبَةِ رَاحَةً ** فَلا تَزْهَدَنْ عِنْدَ الْمُعَافَاتِ فِي الأَجْرِ

آخر:
فَهَبْنِي مُسِيئًا كَالَّذِي قُلْتَ ظَالِمًا ** فَعَفْوٌ جَمِيلٌ كَيْ يَكُونَ لَكَ الْفَضْلُ

فَإِنْ لَمْ أَكُنْ لِلْعَفْوِ أَهْلاً لِسُوءِ مَا ** أَتَيْتَ بِهِ جَهْلاً فَأَنْتَ لَهُ أَهْلُ

آخر:
مَا كُلُّ مَن حَسُنَتْ فِي النَّاس سُمْعَتُهُ ** وَحَازَ قَلْبًا ذَكِيًّا أدْركَ الأمَلا

مَا السَّمْعَ وَالْقَلْبُ مُدْنٍ مِنْكَ مَنْفَعَةً ** إِنْ لَمْ يَكُنْ مثلُ ذَا زُهْدًا وَذَاكَ تُقَى

آخر:
أَحُبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ جُهْدِي ** وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا

وَأَصْفَحُ عَنْ سِبَابِ النَّاسِ حِلْمًا ** وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ يَهْوَى السَّبَابَا

وَمَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ ** وَمَنْ حَقَرَ الرِّجَالَ فَلَنْ يُهَابَا

فَأَمَّا ضَبْطُ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ مَعَ التَّكَلُّفِ فَهُوَ تَحَلُّمٌ لا حِلْمٌ فَإِذَا تَكَلَّفَ الإِنْسَانُ الْحِلْمَ بِأَنْ مَرَّنَ نَفْسهُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَصْبَحَ الْحِلْمُ لَهُ عَادَةً.
وَأَصْلُ الْكَظْمِ شَدُّ رَأْسِ الْقِرْبَةِ عِنْدَ امْتِلائِهَا وَكَظْمِ الْبَابِ سَدُّهُ شُبِّهِ بِهِ مَنْ أَمْسَكَ نَفْسَهُ وَضَبَطَهَا عِنْدَ امْتِلائِهَا بالْغَضَبِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ مِمَّنْ أَهَاجَهُ وَمِنْهُ فُلانٌ كَظِيمٌ بِمَعْنَى مُمْتَلِئٌ حُزْنًا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُونُسَ: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} أَيْ غَيْظًا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لمَّا دَعَاهُمْ إلى الإِيمَانِ.
وَالْغَيْظُ مُرَادِفُ لِلْغَضَبِ وَلا يَتِمُّ حِلْمُ الإِنْسَانِ إِلا بِإمْسَاكِ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا: الْيَدِ عَنْ الْبَطْشِ وَاللِّسَانِ عَنْ الْفُحْشِ وَالْعَيْنِ عَنْ فُضُولاتِ النَّظَرِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ يُسْتَعْمَلُ ضِدَّ الْحِلْمِ التَّذَمُّرُ.
وَأَمَّا الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ فَهُمَا صُورَتَا الْحِلْمِ فَالْعَفْوُ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةَ بِالذَّنْبِ، وَالصَّفْحُ تَرْكُ التَّثْرِيبِ وَهُوَ مَحْمُودٌ إِذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ. بِأَنْ لا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْلالٌ بِالدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَجْمُلُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الصَّفْحُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلا يَصْفَحُ حَيْثُ اقْتَضَى الْمَقَامُ الْعُقُوبَةَ، كَعُقُوبَةِ الْمُعْتَدِينَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لا يَنْفَعُ فِيهِمْ إِلا الْعُقُوبَةُ.
وَقَدْ حَثَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فَأَمَرَ جَلَّ وَعَلا بِالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} وَقَالَ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وَقَالَ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وَقال الشاعر:
وَاصْدُقْ صَدِيقكَ إِنْ صَدَقْتَ صَداَقَةً ** وَادْفَعْ عَدُوَّكَ بِالَّتِي فَإِذَا الَّذِي

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحِلْمُ عَلَى مَنْ يَعْتَدِي عَلَى الدِّينِ أَوْ الْعِرْضِ أَوْ الْمَالِ فَهَذَا غَايَةِ الْجُبْنِ وَمُنْتَهَى الذَّمِّ نَعَمْ يَنْبَغِي لِمَنْ يُدَافِعُ عَنْ الْفَضِيلَةِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسهُ عِنْدَ الدِّفَاعِ فَلا يُسْرِفْ فِي الانْتِقَامِ.
وَيُعْجِبُنِي جَوَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّ مُعَلِّمًا كَانَ يُلْقِي دَرْسًا أَوْ هُوَ يَعِظُ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ إِنْسَانُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الرِّفْقَ وَتَسَرَّعَ فِي الانْتِقَادِ وَخَطَّأ الْمُعَلِّمَ جَهْرًا وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ وَمَضَى الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لِلنَّاقِدْ أَنَّهُ أَخْطَأَ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فِي بَيْتِهِ مُعْتَذِرًا مِمَّا فَرَطَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ نَظْمًا جَوَابًا لَهُ:
جَفَاءٌ جَرَى جَهْرًا لَدَى النَّاسِ وَانْبَسَطْ ** وَعُذْرٌ أَتَى سِرًّا فَأَكَّدَ مَا فَرَطْ

وَمَنْ ظَنَّ أَنْ يَمْحُو جَليَّ جَفَائِهِ ** خَفِيُّ اعْتِذَارٍ فَهُوَ فِي أَعْظَمِ الْغَلَطْ

فَالنَّقْدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِيَكُونَ مِنْ وَرَائِهِ نَجَاحُ الْقَصْدِ وَالسَّلامَةِ مِنْ الإِثْمِ وَالزَّلَلِ وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُنْتَقِدُ أَنْ يُلَطِّفَ الْكَلامَ وَيَأْتِي بِصِيغَةِ سُؤَالٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَيَسْأَلَ مَنْ حَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ هَذَا إِذَا كَانَ مُتَيَقِّنًا لِلْخَطَأِ وَإِلا فَبَعْدَ التَّثَبُّتْ يُبَيِّنُ لَهُ ذَلِكَ بِالْكَلِمِ الطَّيِّب وَالْمَعْرُوفِ مِنَ الْقَوْلِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ خُشُونَةِ الْكَلامِ فَإِنَّهَا مُنَفِّرَةٌ وَدَاعِيَةٌ إلى التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.
وَعَلَى الْحَلِيمِ أَنْ لا يَتَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ لِرَدِّ الْمُعْتَدِينِ وَرَدْعِهِمْ وَإِلا كَانَ مُتَهَوِّرًا ظَالِمًا فَالشَّجَاعَةُ تَسْتَلْزِمُ الْحِلْمَ لأَنَّ الشَّجَاعَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدُ الْقُوَّةِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ بِهَا الْمَرْءُ مُوَاجَهَةَ الأَخْطَارِ بِل لابد مَعَهَا مِنْ ضَبْطِ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِن إتِّبَاعِ سُنَنِ الدِّينِ.
وَالشَّجَاعَةِ هِيَ الْحَدُّ الْوَسَطَ بَيْنَ رَذِيلَتِي الْجُبْنِ وَالتَّهَوُّرِ فَفِي الْجُبْنِ تَفْرِيطِ وَتَضْيِيعٌ وَتَقْصِيرٌ وَفِي التَّهَوُّرِ إِفْرَاطٌ وَتَعَدِّ لِلْحُدُودِ وَفِي الشَّجَاعَةِ السَّلامَةِ بِأَنْ يُقْدِمَ حَيْثُ يَرَى الإِقْدَامَ عَزْمًا وَيُحْجِمَ حَيْثُ يَرَى الإِحْجَامَ حَزْمًا.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْحِلْمِ آثَارٌ جَلِيلَةٌ وَمَنَافِعٌ عَظِيمَةٌ يَعْرِفُ الإِنْسَانُ قَدْرَهَا إِذَا حَصَلَ الْغَضَبُ وَآثَارَ الْعَوَاطِفَ وَآثَارَ النُّفُوسِ وَشَبَّ نَارَ الْفِتْنَةِ فَاضْطَرَبَتْ الأُمُورُ وَتَغَيَّرَتْ وَاسْتَحْكَمَتْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ وَاسْتَوْلَى عَلَى النَّفْسِ حُبُّ النِّزَاعِ وَالصِّدَامُ وَحُبِّبَ إلى النُّفُوسِ الْفَتْكُ والدَّمَارُ وَنُسِيَتْ عَوَاقِبُ الأُمُورِ مِمَّا يَجُرُّهُ الطَّيْشُ وَالتَّهَوُّرُ مِنْ بَلاءٍ وَدَمَارٍ وَشَقَاءٍ وَنَتَائِجَ وَخِيمَةٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ وَيَظْهَرُ فَضْلُ الْحِلْمِ.
فَإِنَّ الْحِلْمَ إِذَا أَرَادَ اللهُ يَدْفَعُ بِهِ هَذِهِ الشُّرُورِ لأَنَّ الْحَلِيمَ يَسْتَطِيعُ إِذَا وَفَّقَهُ اللهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى كُلِّ أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ نَظَرًا صَادِقًا وَيُقَدِّرُهُ تَقْدِيرًا صَحِيحًا وَيَزِنُهُ بِمِيزَانٍٍ عَادِلٍ فَلا يَسْتَخِفُّهُ الْغَضَبُ وَالطَّيْشُ فَيَدْفَعُهُ إلى الْمُخَاطَرَةِ وَيَسُوقُهُ إلى مَا لا قِبَلَ لَهُ بِهِ.
فَالْحِلْمُ خَيْرُ وِقَايَةٍ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَتَحْفَظُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَوَاطِنْ الْهَلاكِ وقَدْ مَثَّلَ الْعُلَمَاءُ لذَلِكَ أََمْثِلَةً مِنْهَا إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ حَلِيمًا لا يَسْتَنْفِزُّهُ الْغَضَبُ إلى إِبْرَامِ الأُُمورِ قَبْلَ التَّثَبِّتِ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ نِعْمَةٌ وَبَرَكَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَعِيَّتِهِ لأَنَّ التَّثَبِّتَ فِي الأُمُورِ قَبْلَ إِبْرَامِهَا يَسْتَلْْزِمُ الْعَدْلَ وَإِعْطَاءَ كُُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَجَزَاءَ كُلِّ فَرْدٍ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَبِذَلِكَ تَسْتَعِدُ وَتَدُومُ الدَّوْلَةُ بِإِذْنِ اللهِ وَتَرْتَفِعْ مَكَانَتَهُ عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ عِبَادِهِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: الزُّعَمَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ إِذَا كَانُوا حُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ يَرْفَعُونَ عَنْ أَتْبَاعِهِمْ إِذَا أَرَادَ اللهُ كَثِيرًا مِنْ الأَذَى وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ شَرَّ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَاتَ مَعَ بَعْضِهِمْ وَمَعَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْحَلِيمَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَالِجَ الأُمُورَ بِالْهُدُوءِ وَالرِّفْقِ وَالتَّلَطُّفِ وَيُفَكِّرَ فِي الْوَسَائِلِ وَالأَسْبَابِ الَّتِي تُزِيلْ الأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ وَالْخِصَامَ وَيَكُفُّهُمْ عَنْ الشَّرِّ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ بِحِلْمِهِ وَلِينِهِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذُهُ بِقُوَّتِهِ وَجَاهِهِ فَتَنْحَسِمُ مَادّةُ الشَّرِّ وَيَحِلُّ الْوِئَامُ مَحَلَّ الْخِصَامِ.
وَمِنْ الأَمْثِلَةِ الْقُضَاةُ إِذَا كَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْحِلْمِ فَإِنَّهُمْ بِإِذْنِ اللهِ يَهْتَدُونَ إلى الصَّوَابِ وَيَظْهَرُ لَهُمْ الْحَقُّ لأَنَّ سَعَةً صَدْرِ الْقَاضِي لاسْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا َيذْكُرُهُ الْخُصُومُ وَحِلْمُهُ عَلَيْهمْ حَتَّى يُدْلُوا إِلَيْهِ بِكُلِّ حُجَجِهِمْ وَيُبَيِّنُوا لَهُ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُونَهُ مِنْ طُرُقِ الإِثْبَاتِ مِنْ خَيْرِ الْوَسَائِلِ الَّتِي تَفِيدُ فِي اسْتِنْبَاطِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَةِ الْمُبْطِلِ مِنْ الْمُحِقِّ بِخِلافِ الأَحْمَقِ الْغَضُوبِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ وَخَطَأَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَوَابِهِ.
وَمِنْ الأَمْثِلَةِ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَبِّي إِذا كَانَ حَلِيمًا فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْتَجَ أَحْسَنَ النَّتَائِجِ وَيُؤَدِّي لأُمَّتِهِ أَجَلَّ الْخِدَمِ وَأَفْضَلَهَا لأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ بِحِلْمِهِ أَنْ يَتَبَيَّنَ مَوْضِعَ الضَّعْفِ مِنْ نَفْسِ الْقَائِمِ عَلَى تَرْبِيَتِهِ فَيُعَالِجَهُ بِمَا يُنَاسِبُ حَالُهُ حَتَّى يَشِبَّ صَالِحًا نَافِعًا إِذَا كَانَ قَائِمًا بِتَلْقِينِهِ الْعِلْمَ فَإِنَّ مُلَقِّنَ الْعِلْمِ إذا لَمْ يَكُنْ حَلِيمًا فَإِنَّهُ يُضِيعُ عَلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ أَحْسَنَ الْفُرَصِ فِي حَيَاتهُ لأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ مُنَاقَشَةِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ معَرْفِةَ ِالْخَطَأِ مِنْ الصَّوَابِ وَالْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وَيَتَدَرَّبَ بِهَا عَلَى الْمُنَاظَرَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْفِكْرِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُرَبِّي الأَحْمَقَ يُضِيفُ إلى ذَلِكَ أَثَرًا سَيِّئًا فِي نَفْسِ الْمُرَبِّي لأَنَّ الطِّبَاعَ كَسَّابةٌ فَيَتَأَثَّرُ مِنْهُ وَيَسْرِي إِلَيْهِ مِنْ أَسْتَاذِهِ مِنْ مَا بِهِ مِنْ أَمْرَاضٍ أَخْلاقِيَّةٍ غَالِبًا وَيَكُونُ شَرًّا مُتَعَدِّيًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ.
وَمِنْ الأَمْثِلَةِ لذَلِكَ الزَّوْجُ مَعَ زَوْجَتِهِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَلِيمًا فَإِنَّهُمَا يَعِيشَانِ عَيْشَةً مَرْضِيَّةً إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُغْضِي عَنْ هَفَوَاتِ الآخَرِ وَيَرْفُوهَا فَلا يُثِيرَانِ نِزَاعًا لأَيْسَرِ الأُمُورِ وَأَحْقَرِ الأَسْبَابِ وَأَتْفَهِهَا وَإِنْ وَقَعَ نَادِرًا عَالَجَاهُ بِلُطْفٍ وَحِرصَا عَلَى كَتْمِهِ عَنْ الأَوْلادِ لِعِلْمِهِمَا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِظْهَارِهِ مِنْ الضَّرَر الْعَظِيم خُصُوصًا ِإَذا كَانَ الأَبْنَاءُ فِي حَدٍّ قَابِلٍ لانْطِبَاعِ الأَخْلاقِ فِيهِمْ وَانْتِقَالِ الصِّفَاتِ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحِلْمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَوْقِعُهُ عَظِيمٌ وَضَرَرَ الْحَمَاقَةِ شَدِيدٌ جِدًّا لِمَا يُصِيبُ الأَبْنَاءَ مِنْ ضَرَرِ عَدَمِ الْحِلْمِ فَالْحِلْمُ فِي الْحَقِيقَةِ سَعَادَةٌ عَاجِلَةٌ وَخَيْرٌ لِلأُسْرَةِ بِتَمَامِهَا.
رَجَعْتُ عَلَى السَّفِيهِ بِفَضْلِ حِلْمِي ** فَكَانَ الْحِلُمُ عَنْهُ لَهُ لِجَامَا

وَظَنَّ بِي السَّفَاهُ فَلَمْ يَجِدْنِي ** أَسَافِهُهُ وَقُلْتُ لَهُ سَلامَا

فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلاً ** وَقَدْ كَسَبَ الْمَذَلَّةَ وَالْمَلامَا

وَفَضْلُ الْحِلْمِ أَبْلَغُ فِي سَفِيهٍ ** وَأَحْرَى أَنْ تَنَالَ بِهِ انْتِقَامَا

وَمِنْ الأَمْثِلَةِ لِذَلِكَ التَّاجِرُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ حَلِيمًا تَرُوجُ تِجَارَتُهُ وَيَقْبَلُ الْمُعَامِلُونَ عَلَيْهِ لأَنَّ حِلْمَهُ يُرَغِّبُ فِي مُعَامَلَتِهِ أَمَّا إِذَا كَانَ حَمَقِيًّا غَضُوبًا لأَهْوَنَ الأَشْيَاءِ وَأَيْسَرِ الأُمُورِ فَتَجِدُهُ مَعَ النَّاسِ فِي لِجَاجٍ وَخِصَامٍ لا يُمَكِّنُ غَضَبُهُ أََحَدًا مِنْ مُفَاهَمتِهِ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَشْتَرِيهِ وَرُبَّمَا أَدَّى بِهِ غَضَبُهُ وَعَدَمُ حِلْمِهِ إلى إتْلافِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ بَيْعَهَا أَوْ إلى الأَيْمَانِ أَنَّهُ لا يَبِيعُهَا مِنْ الْمُسَاوِمِ لَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْحَمْقَى الْجَاهِلِينَ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ لِكَسَادِ تِجَارَةِ هَؤُلاءِ وَانْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُمْ وَنُفْرَتِهِمْ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ. وَقَدْ يُفَضِّلُونَ مُعَامَلَةَ الْحَلِيمِ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ سِلْعَتُهُ أَقَلَّ جُودَةً مِنْ سِلْعَةِ ذَلِكَ الأَحْمَق.
وَمِثْلُ ذَلِكَ أََهْلُ الصَّنَائِعَ إِذَا كَانُوا حُمَقَاءَ فَإِنَّ النَّاسَ لا يُعَامِلُونَهُمْ خَوْفًا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ وَيَذْهَبُونَ عَنْهُمْ إلى مَنْ كَانَ حَلِيمًا لأَنَّهُ يَكُونُ مُحَبَّبًا إلى النُّفُوسِ يَسْتَرِيحُ مَعَهُ النَّاسُ.

.موعظة:

عباد الله تَنَبَّهُوا رَحِمَكُمْ اللهُ بِقَوَارِعِ الْعِبَرِ وَتَدَبَّرُوا مَوَاعِظَ كِتَابِ رَبِّكُمْ فَإِنَّهُنَّ صَوَادِقُ الْخَبَرِ وَتَفَكَّرُوا ِفي حَوَادِثِ الأَيَّامِ فَإِنَّ فِيهَا الْمُزْدَجَرُ وَتَأَمَّلُوا دَوْرَ الزَّمَانِ عَصْرًا فَعَصْرًا أَيَّامًا وَشَهْرٌ يَتْلُو شَهْرًا وَسَنَةٌ تَتْلُو سَنَةً وَأَوْقَاتٌ تُطْوَى فَتُخَرِّبُ عُمْرَانًا وَتَعْمُرُ قَفْرَا وَتُعِيرُ مَرَّةً وَتَسْلُبُ أُخْرَى.
مَوَاعِظُ تُنَادِي الْعَاقِلُ بِلِسَانِ الْحَقِيقَةِ جَهْرًا فَاحْذَرُوا زَخَارِفَ الدُّنْيَا الْمظَلِّلة وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ تَكَثَّرَ مِنْهَا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي مَرَاضِي اللهِ وَيَجْعَلُهُ ذُخْرًا لِلدَّارِ الآخِرَةِ لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللهِ إِلا قِلَّةً.
فَتَزَوَّدُوا مِنْهَا التَّقْوَى فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادٍ وَخُذُوا أُهْبَةَ التَّحَوُّلِ وَانْتَبِهُوا مِنْ سِنَةِ الرُّقَادِ قَبْلَ أَنْ تُقَرَّبَ لَكُمْ مَرَاكِبُ التَّحَوُّلِ إلى الْقُبُورِ وَيُنَادِي بِكُمْ الرَّحِيلُ إلى الآخِرَةِ.
خُذُوا أَهْبَةً فِي الزَّادَ فَالْمَوْتُ كَائِنٌ ** فَمَا مِنْهُ مَنْجَا وَلا عَنْهُ عُنْدَدِ

فَمَا دَارُكُمْ هَذِي بِدَارِ إِقَامَةٍ ** وَلَكِنَّهَا دَارُ ابْتِلاً وَتَزَوُّدِ

أَمَا جَاءكم عن رَبكم وَتَزَوَدُا ** فَمَا عُذْرُ مَن وَافَاهُ غَيْرُ مُزَوَّدِ

فَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَرَاحِلٌ ** تُقَرِّبُ مِنْ دَارِ اللِّقَا كُلّ مُبْعَدِ

آخر:
نَهْوَى الْحَيَاةَ وَلَوْ صَحَّتْ عَزَائِمُنَا ** لِمَا صَرَفْنَا إلى الْخَدَّاعَةِ الْهِمَمَا

لَوْ عِلمُنَا عَلِمَتْ شُمُّ الْجِبَالِ بِهِ ** أَزَالَ ذَلِكَ مِنْ آنَافِهَا الشَّمَمَا

إِنَّ الشُّخُوصَ الَّتِي كَانَتْ رَجَاحَتُهَا ** تُوَازِنُ الْهَضْبَ صَارَتْ فِي الثَّرَى رَمَمَا

عَمَّتْهُمُ حَادِثَاتٌ غَيْرُ مُبْقِيَةٍ ** شَيْئًا فَلَمْ تَبْقَ أَبْدَانًا وَلا قِمَمَا

اللَّهُمَّ عَافِنَا مِنْ مَكْرِكَ وَزَيِّنَّا بِذِكْرِكَ وَاسْتَعْمِلْنَا بِأَمْرِكَ وَلا تَهْتِكْ عَلَيْنَا جَمِيلَ سَتْرِكَ وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِلُطْفِكَ وَبِرِّكَ وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا مِنْ عَذَابِكَ وَآمِّنَّا مِنْ عِقَابِكَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في أسباب الحلم الباعثة على ضبط النفس:

قَالَ الْعُلَمَاءُ وَأَسْبَابُ الْحِلْمِ الْبَاعِثَةِ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ عَشَرَةٌ أَحَدُهَا الرَّحْمَةُ لِلْجُهَّالِ وَذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ يُوَافِقُ رِقَّة وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحَكَمِ مِنْ أَوْكَدِ أَسْبَابِ الْحِلْمِ رَحْمَةُ الْجُهَّالِ فَيَأْمَنُ وَيَأْمَنُونَ مِنْ اسْتِحْدَاثِ الْبُغْضِ وَالْقَطِيعَةِ الْمُؤَدِّيين إلى تَرْكِ النَّصْرَةِ وَالْغِيبَةِ.
وَمَا قَتَلَ السَّفَاهَةَ مِثْلُ حِلْمٍ ** يَعُودُ بِهِ عَلَى الْجَهْلِ الْحَلِيمُ

فَلا تَسْفَهْ وَإِنْ مُلِّيتَ غَيْظًا ** عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ الْفُحْشَ لؤمُ

وَلا تَقْطَعْ أَخًا لَكَ عِنْدَ ذَنْبٍ ** فَإِن الذَّنْبَ يَعْفُوهُ الْكَرِيمُ

آخر:
إِذَا سَبَّنِي نَذْلٌ تَزَايَدْتُ رِفْعَةً ** وَمَا الْعَارُ إِلا أَنْ أَكُونَ أُجَاوِبَهْ

وَلَوْ أَنَّ مَا نَفْسِي عَليَّ عَزِيزَةٌ ** لَقَرَّبْتُهَا مِنْ كُلِّ نَذْلِ تُخَاطِبُهْ

آخر:
لا يُعْجِبَنَّكَ مَن يُصُونُ ثِيَابَهُ ** حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذُولُ

فَلَرُبَّمَا افْتَقَرَ الْفَتَى فَرَأَيْتَهُ ** وَسْخَ الثِّيَابِ وَعِرْضُهُ مَغْسُولُ

الثَّانِي: مِنْ أَسْبَابِ الْحِلْمِ الْقُدْرَةُ عَلَى الانْتِقَامِ وَالانْتِصَافِ وَذَلِكَ الْحِلْمُ مِنْ سِعَةِ الصَّدْرِ وَحُسْنِ الثِّقَةِ بِاللهِ وَبِقُدْرَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: أَحْسَنُ الْمَكَارِمِ عَفْوُ الْمُقْتَدِرِ وَجُودُ الْمُفْتَقِرْ.
خَيْرُ الْخَلِيلَيْنِ مَنْ أَغْضَى لِصَاحِبِهِ ** وَلَوْ أَرَادَ انْتِصَارًا مِنْهُ لا انْتَصَرَا

وَالثَّالِثْ: مِنْ أَسْبَابِ الْحِلْمِ التَّرَفُّعُ عَنْ السِّبَابِ وَعذَلِكَ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَقَالَتْ الْحُكَمَاءُ شَرَفُ النَّفْسِ أَنْ تَحَمَّلَ الْمَكَارِهَ وَقال الشاعر:
لا يَبْلُغُ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ كَرُمُوا ** حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لأَقْوَامِ

وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الأَلْوَانَ مُسْفِرَةً ** لا صَفْحَ ذُلٍّ وَلَكِنْ صَفْحُ أَحْلامِ

آخر:
إِذَا شِئْتَ يَوْمًا أَنْ تسوْدَ عَشِيرَةً ** فَبِالْحِلْمِ سُدْ لا بِالتَّسَرُّعِ وَالشَّتْمِ

آخر:
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى النَّفْسِ ضَيْمَهَا ** فلَيْسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيلُ

وَالرَّابِعُ: مِنْ أَسْبَابِ الْحِلْمِ الاسْتِهَانَةُ بِالْمُسِيءِ قال الشاعر:
قَوْمٌ إِذَا مَا جَنَا جَانِيهُمُوا أَمِنُوا ** لِلُؤْمِ أَحْسَابِهِمْ أَنْ يُقْتَلُوا قَوَدَا

وَقَالَ آخر:
فَدَع الْوَعِيدَ فَمَا وَعِيدكَ ضَائِرِي ** أَطَنِينُ أَجْنِحَةِ الذُّبَابِ يَظِيرُ

آخر:
وَكَمْ مِنْ لَئِيمٍ وَدَّ أَنِّي شَتَمْتُهُ ** وَإِنْ كَانَ شَتْمِي فِيهِ صَارِبٌ وَعَلْقَمُ

وَلِلْكَفُّ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمٍ تَكَرُمَا ** أَضَرُّ لَهُ مِنْ شَتْمِهِ حِينَ يَشتَمُ

آخر:
إِذَا نَطَقَ السَّفِيهُ فَلا تُجِبْهُ ** فَخَيْرٌ مِنْ إِجَابَتِهِ السُّكُوتُ

سَكَتُّ عَنْ السَّفِيهِ فَظَنَّ أَنِّي ** عِييتُ عَنْ الْجَوَابِ وَمَا عَيِيتُ

وَالْخَامِسْ: مِنْ أَسْبَابِ الْحِلْمِ الاسْتِحْيَاءِ مِنْ جَزَاءِ الْجَوَابِ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ النَّفْسِ وَكَمَالِ الْمُرُوءَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنِّي لأَعْرِضُ عَنْ أَشْيَاءَ أَسْمَعُهَا ** حَتَّى يَظُنُّ رِجَالٌ أَنَّ بِي حَمْقًا

أَخْشَى جَوَابَ سَفِيهٍ لا حَيَاءَ لَهُ ** فسلٍ يَظُنُّ رِجَالٌ أَنَّهُ صَدَقَا

آخر:
فَمَا الأَنْسُ بِالأَنْسِ الَّذِينَ عَهَدْتُهُمْ ** بِأُنْسٍ وَلَكِنْ فقَدْ أَنْسِهِمْ أُنْسُ

إِذَا سَلِمَتْ نَفْسِي وَدِينِي مِنْهُمُوا ** فَحَسْبِي أَنْ الْعَرْضَ مِنِّي لَهُمْ تُرْسُ

السَّادِسُ: مِنْ أَسْبَابِ الْحُلْمِ التَّفَضُّلُ عَلَى السَّابِّ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَمِ وَحُبِّ التَّآلفِ قال الشاعر:
إِذَا كَانَ دُونِي مَنْ بُلِيتَ بِجَهْلِهِ ** أَبَيْتُ لِنَفْسِي أَنْ أُقَابِلَ بِالْجَهْلِ

وَإِنْ كَانَ مِثْلِي فِي مَحَلٍّ مِنْ الْعُلا ** هَوَيْتُ إِذًا حِلْمًا وَصَفْحًا عَنْ الْجَهْلِ

وَإِنْ كُنْتُ أَدْنَى مِنْهُ فِي الْفَضْلِ وَالْحِجَا ** رَأَيْتُ لَهُ حَقَّ الْعِلاوَةِ وَالْفَضْلِ

آخر:
فَيَا هَارِبًا مِنْ سُخْطِنَا مُتَنَصِّلاً ** هَرَبْتَ إلى أَنْجَى مُقَرِ وَمَهْرَبِ

فَعُذْرُكَ مَبْسُوطٌ لَدَيَّ مُقَدَّمٌ ** وَوُدُّكَ مَقْبُولٌ بِأََهْلٍ وَمَرْحَبِ

وَلَوْ بَلَغْتَنِي عَنْكَ أذْنِي أقمْتُهَا ** لَدَيَّ مَقَامَ الْكَاشِحِ الْمُتَكَذِّبِ

آخر:
أَتَطْلُبُ صَاحِبًا لا عَيْبَ فِيهِ ** وَأَيُّ النَّاسِ لَيْسَ لَهُ عُيُوبُ

آخر:
وَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تَلُمُّهُ ** عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

السَّابِعُ: مِنْ أَسْبَابِ الْحُلْمِ اسْتِكْفَافُ السَّابِّ وَقَطْعِ السِّبَابِ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْحَزْمِ وَجَوْدَةِ الْعَقْلِ وَبِمَا يُنْسَبُ لِلإمَامِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
قَالُوا سَكَتَ وَقَدْ خُوصِمْتَ قُلْتُ لَهُمْ ** إِنَّ الْجَوَابَ لِبَاب الشَّرِّ مِفْتَاحُ

فَالصَّمْتُ عَنْ جَاهِلٍ أَوْ أَحْمَقٍ شَرَفٌ ** أَيْضًا وَفِيهِ لِصَوْنِ الْعِرْضِ إِصْلاحُ

أَمَا تَرَى الأُسْدَ تُخْشَى وَهِيَ صَامِتَةٌ ** وَالْكَلْبُ يَخْشَ لعَمْرِي وَهُوَ نَبَّاحُ

آخر:
إِذَا فَاهَ السَّفِيهُ بِسَبِّ عِرْضِي ** كَرِهْتُ بِأَنْ أَكُونَ لَهُ مُجِيبًا

يَزِيدُ سَفَاهَةً وَأَزِيدُ حِلْمًا ** كَعُودٍ زَادَهُ الإِحْرَاقُ طِيبَا

آخر:
لَنْ يُدْرِكَ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ كُرِمُوا ** حَتَّى يَذِلُوا وَإِنْ عَزُو الأَقْوَامِ

ويشتُموا فَتَرَى الأَلْوَانَ كَاسِفَةً ** لا ذُلِّ عَجْزِ وَلَكِنْ ذُلَّ أَحْلامِ

آخر:
مَا صَاحِبُ الْمَرْءُ مَن إن زَلَّ عَاقَبَهُ ** بَلْ صَاحِبُ الْمَرْءِ مَنْ يَعْفُو إِذَا قَدِرَا

فَإِنْ أَرَدْتَ وِصَالاً لا يُكَدِّرُهُ ** هَجْرٌ فَكُنْ صَافِيًا لِلْخَلِّ إِنْ كَدَرَا

آخر:
زيّنْ أَخَاكَ بِحُسْنِ وَصْفِكَ فَضْلَهُ ** وَبِبَثِّ مَا يَأْتِي مِن الْحَسَنَاتِ

وَتَجَافَ عَنْ عَثَرَاتِهِ وَانْظُرْ إلى ** مَنْ ذَا الَّذِي يَنْجُو مِنَ الْعَثَرَات

وَتَعَرَّضَ رَجُلٌ أَحْمَقٌ لأَحَدِ الْعُقَلاءِ الْحُكَمَاءِ وَأَسْمَعَهُ كَلامًا غَلِيظًا وَأَفْحَشَ فِي الْقَوْلِ فَتَحَلَّمَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ يُنَوِّعُ سَبَّهُ وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ فَقِيلَ لِمَاذَا لا تُجِبْهُ؟
فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ عَضَّكَ حِمَارٌ أَوْ رَمَحَكَ أَكُنْتَ تَعُضُّهُ أَوْ تَرْمَحُهُ قَالَ لا، قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ نَبَحَ عَلَيْكَ كَلْبّ أَوْ عَضَّكَ أَكُنْتَ تَعُضُّهُ أَوْ تَنْبَحُ عَلَيْهِ قَالَ لا قَالَ فَإِنَّ السَّفِيهَ إِمَّا يَكُونُ كَالْكَلْبِ أَوْ كَالْحِمَارِ لأَنَّهُ مَا يَخْلُ مِنْ جَهْلٍ وَأَذَى وَشَرٍّ وَكَثِيرًا مَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَالأَبْعَادُ عَنْهُ غَنِيمَةٌ لِيُحْصُلَ عَلَى السَّلامَةِ مِنْ شَرِّهِ وَأَذَاهُ.
كَالثَّوْرِ عَقْلاً وَمِثْلُ التِّيسِ مَعْرِفَةً ** فَلا يُفَرّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْفَنَدِ

الْجَهْلُ شَخْصٌ يُنَادِي فَوْقَ هَامَتِهِ ** لا تَسْأَل الرّبْعَ مَا فِي الرَّبْعِ مِنْ أَحَد

آخر:
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُم ** بِمَكنُونِهَا إِلا كَعِلْم الأَبَاعِرِ

لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إِذَا غَدَا ** عَلَى ظَهْرِهِ مَا فِي بُطُونِ الْغَرَائِر

وَالثَّامِنْ: مِنْ أَسْبَابِ الْحُلْمِ الْخَوْفُ مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْجَوَابِ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ ضَعْفِ النَّفْسِ وَرُبَّمَا أَوْجَبَهُ الرَّأْيُ السَّدِيدُ وَاقْتِضَاهُ الْحَزْمُ.
وَالتَّاسِعُ: مِنْ أَسْبَابِ الْحُلْمِ الرِّعَايَةُ لِيَدٍ سَلَفَتْ وَحُرْمَةٍ لَزِمَتْ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْوَفَاءِ وَحُسْنِ الْعَهْدِ وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ أَكْرَمُ الشِّيَمِ أَرْعَاهَا لِلذَّمَمِ وَالْعَاشِرُ مِنْ أَسْبَابِ الْحُلْمِ الْكَيْدُ وَالْمَكْرُ وَتَوَقُّعِ الْفُرَصِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الدَّهَاءِ.
يَقُولُ لَكَ الْعَقْلُ الَّذِي زَيَّنَ الْفَتَى ** إِذَا أَنْتَ لَمْ تَقْوَى عَدُوّكَ دَارِهِ

وَلاقِهِ بِالتَّرْحِيبِ وَالْبِشْرِ وَالرِّضَا ** وَبَارِكْ لَهُ مَا دُمْتَ تَحْتَ اقْتِدَارِهِ

وَقَبِّلْ يَدَ الْجَانِي الَّذِي لَسْتَ قَادِرًا ** عَلَى قَطْعِهَا وَارْقُبَ سُقُوطَ جِدَارِهِ

آخر:
وَإِذَا عَجِزْتَ عَنْ الْعَدُوّ فَدَارِهِ ** وَامْزَحْ لَهُ إِنَّ الْمِزَاحَ وَفَاقُ

فَالنَّارُ بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهَا ** تُعْطِي النِّضَاجَ وَطَبْعُهَا الإِحْرَاقُ

وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحَكَمِ مَنْ ظَهَرَ غَضَبُهُ قَلَّ كَيْدُهُ وَقَالَ بَعْضُ الأُدَبَاءِ غَضَبُ الْجَاهِلِ فِي قَوْلِهِ وَغَضَبُ الْعَاقِلِ فِي فِعْلِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِذَا سَكَتَ عَن الْجَاهِلَ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَابًا وَأَوْجَعْتَهُ عِقَابًا وَقَالَ إِيَاسُ بنُ قَتَادَةَ:
تُعَاقِبُ أَيْدِينَا وَيَحْلَمُ رَأْيُنَا ** وَنَشْتُمُ بِالأَفْعَالِ لا بِالتَّكَلُّمِ

آخر:
تَخَالُهُمْ لِلْحِلْمِ صُمًا عِن الْخَنَا ** وَخُرْسًا عَنْ الْفَحْشَاءِ عِنْدَ التَّفَاخر

وَمَرْضَى إِذَا الأَقْوَا حَيَاءً وَعِفَّةً ** وَعِنْدَ الْحِفَاظ كَاللُّيُوثِ الْكَوَاسِرِ

آخر:
لَقَدْ أَسْمَعُ الْقَوْلَ الَّذِي كَادَ كُلَّمَا ** تُذَكِّرْنِيهِ النَّفْسِ قَلْبِي يُصَدَّعُ

فَأُبْدِي لِمَنْ أَبْدَاهُ مِنِّي بَشَاشَةً ** كَأَنَّي َمْسُرورٌ بِمَا مِنْهُ أَسْمَعُ

وَمَا ذَاكَ مِنْ عُجْبٍ بِهِ غَيْرَ أَنَّنِي ** أَرَى أَنْ تَرْكَ الشَّرَّ لِلشَّرِّ أَقْطَعُ

آخر:
وَفِي الْحِلْمِ وَالإِسَلامِ لِلْمَرْءِ وَازِعٌ ** وَفِي تَرْكِ أَهْوَاءِ الْفُؤَادِ الْمُتَيَّمِ

بَصَائِرُ يُرْشِدْنَ الْفَتَى مُسْتَبْيَنَةُ ** وَأَخْلاقُ صِدْقٍ عِلْمُهَا بِالتَّعْلُّمَ

آخر:
إِذَا اعْتَذرَ الصَّدِيقُ إِلَيْكَ يَوْمًا ** مِنْ التَّقْصِيرِ عُذْرْ فَتَى مُقِرّ

فَصِنْهُ عَنْ عِتَابِكَ وَاعْفُ عَنْهُ ** فَإِنَّ الْعَفْوَ شِيمَةُ كُلّ حُرّ

آخر:
تُكْثِر مِنَ أَهْل الدِّينَ مَا اسْتَطَعْتَ إِنَّهُمْ ** عِمَادُ إِذَا اسْتَنْجَدْتَهُمْ وَظُهُورُ

فَمَا بِكَثِير أَلْفُ خَلٍ مُوَفَّقٍ ** لِطَاعَةِ رَبِّ الْعَرْشِ تُحْظَى بِقُرْبِهِ

آخر:
إِذَا تَخَلَّفْتَ عَنْ صَدِيقٍ ** وَلَمْ يُعَاتِبْكَ فِي التَّخَلُّفْ

فَلا تَعْدُ بِعْدَهَا إِلَيْهِ ** فَإِنَّمَا وُدّهُ تَكَلفُ

آخر:
إِذَا خَلِيلِيَ لَمْ يُكْثِرْ إِسَاءَتَهُ ** فَأَيْنَ مَوْضِعُ إِحْسَانِي وَغُفْرَانِي

يَجْنِي عَلَيَّ وَأَحْنُو صَافِحًا أَبَدَا ** لا شَيْءَ أَحْسَنَ مِنْ حَانٍ عَلَى جَان

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ ثَلاثَةٌ لا يُعْرَفُونَ إِلا فِي ثَلاَثِة مَوََاطِنَ لا يُعْرَفُ الْجَوَّادُ إِلا فِي الْعُسْرَةِ َوَلا يُعْرَفُ الشُّجَاعُ إِلا فِي الْحَرْبِ وَلا يُعْرَفُ الْحَلِيمُ إِلا فِي الْغَضَبِ قال الشاعر:
مَنْ يَدَّعِي الْحِلْمَ أَغْضِبْهُ لِتَعْرِفَهُ ** لا يُعْرَفُ الْحِلْمُ إِلا سَاعَةَ الْغَضَِب

وَمَنْ فَقَدْ الْغَضَبَ في الأَشْيَاءِ الْمُغْضِبَةِ حَتَّى اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ قَبْلَ الإِغْضَابِ وَبَعْدَهُ فَقَدْ عَدِمَ مِنْ فَضَائِلِ النَّفْسِ الشَّجَاعَةِ وَالأَنفَةَ وَالْحَمِيَّةَ وَالْغِيرَةَ وَالدِّفَاعَ وَالأَخْذَ بِالثَّأْرِ لأَنَّهَا خِصَالٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْغَضَبِ فَإِذَا عَدِمَهَا هَانَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِبَقَاءِ فَضَائِلِهِ فِي النُّفُوسِ قِيمَةٌ وَلا لِوُفُورِ حِلْمِهِ مَوْقِعٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانََ الْحَلْمُ يُؤَدِّي إلى فَسَادٍ بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُومُ عَلَيْهِ لَئِيمًا يَزْدَادُ شَرُّهُ مَعَ الْحِلْمِ فَالْجَهْلُ مَعَهُ أَحْسَنُ لأَنَّهُ يَرْدَعُهُ عَنْ الشَّرِّ وَالتَّمَادِي فِيهِ.
لَئِنْ كَانَ حِلْمُ عَوْنُ عَدُّوه ** عَلَيْهِ فَإِنَّ الْجَهْلَ أَعْنَى وَأَرْوَحُ

وَفِي الْحِلْمِ ضَعْفُ وَالْعُقُوبَةِ قُوَّةٌ ** إِذَا كُنْتَ تَخْشَى كَيْدَ مَنْ عَنْهُ تَصْفَحُ

آخر:
أَبَا حَسَنٍ مَا أَقْبَحَ الْجَهْل بِالْفَتَى ** وَلِلْحِلْمُ أَحْيَانًا مِن الْجَهْلِ أَقْبَحُ

آخر:
وَأَنْزِلْنِي طُولَ النَّوَى دَارَ غُرْبَةٍ ** إِذَا شِئْتَ لاقَيْتُ الَّذِي لا أُشَاكِلُهُ

فَحَامَقْتُهُ حَتَّى يُقَالُ سَجِيَّةٌ ** وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَكُنْتُ أُعَاقِلُهُ

آخر:
تَأَمَّلْتُ الْوَرَى جِيلاً فَجِيلاً ** فَكَانَ لَبِيبُهُمْ عِنْدِي قَلِيلا

لَهُمْ صُورَ تَرُوقُ وَلا حُلُومًا ** وَأَجْسَامُ تَهُولُ وَلا عُقُولا

آخر:
إِذَا خَطَبَ الصَّدَاقَةَ مِنْكَ كُفْوءٌ ** فَلا تَطْلُبْ سِوَى صِدْقٍ صَدَاقَا

فَقَدْ صَدِأَتْ قُلُوبُ النَّاسِ غِشًّا ** وَقَدْ صُقُلْتُ وُجُوهُ أَكْثَرِهِمْ نِفَاقاً

آخر:
وَمَا أَنَا بِالنَّكْسِ الدَّنِيء وَلا الَّذِي ** إِذَا صَدَّ عَنْهُ ذُو الْمُرُوءَةُ يَقْرُبُ

وَلَكِنَّهُ إِنْ دَامَ دُمْتَ وَإِنْ يَكُنْ ** لَهُ مَذْهَبُ عَنِّي فَلِي عَنْهُ مَذْهَبُ

لأَنَّ الْوِدَّ وِدٌّ تَطَوَّعَتْ ** بِهِ النَّفْسُ لا وِدٌّ أَتَى وَهُوَ مُتْعَبُ

آخر:
وَلِلدَّهْرِ أَثْوَابٌ فَكُنْ فِي ثِيَابِه ** كَلِبْسَتِهِ يَوْمًا أَجَدَّ وَأَخْلَقَا

فَكُنْ أَكْيَسَ الْكَيْسَى إِذَا كُنْتَ فِيهِمْ ** وَإِنْ كُنْتَ فِي الْحَمْقَى فَكُنْ أَنْتَ أَحْمَقَا

وَقَالَ بعض الحكماء العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم وَقَالَ أبو الطيب:
مِنْ الْحِلْمِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ الْجَهْلَ دُونَهُ ** إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الْحِلْمِ طُرْقُ الْمَظَالِم

فالحكيم يضع كُلّ شَيْء في المحل اللائق به فلا يعامل الكريم معاملة اللئيم ولا بالعكس فإن هَذَا فيه ضرر عَظِيم ويخل في منصب الشخص ويحط من قدره ويدل على ضعف عقله وأنه لا يحسن أن ينزل النَّاس منازلهم وَيَقُولُ أبو الطيب في ذَلِكَ:
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ** وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا

فَوَضْعُ النِّدَا فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلا ** مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النِّدَا

آخر:
الصَّمْتُ زِينٌ وَالسُّكُوتُ سَلامَةٌ ** فَإِذَا انْطَقْتُ فَلا تَكُنْ مِهْذَارَا

مَا إِنْ نَدِمْتُ عَلَى سُكُوتِي مَرَّةً ** وَلَقَدْ نَدِمْتُ عَلَى الْكَلامِ مِرَارَا

وَيَقُولُ الآخر:
وَالْعَفْوُ عِنْدَ لَئِيمِ الطَّبْعِ مَفْسَدَةٌ ** تُطْغِي وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْكَرِيمِ يَدَا

وَقَالَ آخر:
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ ** وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ

فَمَنْ شَاءَ تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ ** وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ

وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وَصَاحِبًا ** وَلَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْرَجُ

وَيَقُولُ الآخر:
إِذَا كُنْتَ بَيْنِ الْحِلْمِ وَالْجَهْلِ نَاشِئًا ** وَخُيِّرْتَ أَنَّى شِئْتَ فَالْحِلْمُ أَفْضَلُ

وَلَكِنْ إِذَا أَنْصَفْتَ مَنْ لَيْسَ مُنْصِفًا ** وَلَمْ يَرْضَ مِنْكَ الْحِلْمَ فَالْجَهْلُ أَمْثَلُ

ولما ظفر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بحمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الَّذِي من عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر وتعهد للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يناصب المسلمين العدا ولا يحرض عَلَيْهِ الأعداء فلم يف بقوله ولم يصدق بوعده بل نقض العهد وخان الميثاق وما أبرم من الاتفاق فأمر عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام بقتله فَقَالَ: يا مُحَمَّد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهداً إِلا أَعُود لمثل ما فعلت فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلام: «وَاللهِ لا تسمح عارضيك بمَكَّة وَتَقُول خدعت محمداً مرتين لا يلدغ المُؤْمِن من جُحر مرتين أضرب عُنقه يا زيد». فضرب عنقه. اللَّهُمَّ سلمنا من عذابك وآمنا من عقابك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ. يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.